إذا كان السودان يمثل سلة غذاء العالم، فإنه أيضا يمثل الفضاء الأفضل لتمثيل التنوع الإحيائي في أرضه الذي يمرح على مساحة مليون ميل مربع تضم كافة المناخات الموجودة في العالم، التي تتدرج من المناخ الاستوائي في جنوبه إلى المناخ الصحراوي في شماله. وأتاح هذا التنوع في المناخ والاتساع في الأرض غِنى في الحيوانات البرية التي تعيش في السودان، حيث يوجد في أرضه 12 رتبة من رتب الثدييات التي تبلغ 13 في أفريقيا كلها، وتضم 223 نوعا من الثديات. كما تتوافر في السودان بيئات تصلح لعدة أنواع من الطيور وفرت الحياة البرية لـ 871 نوعا منها، إضافة إلى وجود أنواع مختلفة من الزواحف والأحياء البرية الأخرى في البحر الأحمر في شرق البلاد. وكما دمرت الحرب البيئة والإنسان والعمران، فقد دمرت ذات الحرب، بجانب الإنسان، الكثير من الأحياء، الأمر الذي أدى إلى انقراض 17 نوعا من الثدييات، و8 أنواع من الطيور، ونوع واحد من الزواحف. ومع كل ذلك، لا يزال السودان يستقطب سنويا شريحة من السياح، لا سيما من السعودية ودول الخليج، بقصد الصيد، مما يوفر مدخلا لهذا البلد الأفريقي يعزز من قيمة ميزانيته، حتى وإن كان لا يزال ضئيلا. ووفقا لعلي محجوب عطا المنان وكيل وزارة السياحة والحياة البرية السودانية، فإن غالبية السياح القادمين من الخليج من هواة ممارسة الصيد والقنص، ومن الطبقات ذات الدخول المرتفعة والمقدرات المالية الكبيرة. ويؤكد عطا المنان لـ «الشرق الأوسط»، أنه نظرا لتزايدهم المستمر، فإنه يتم استخراج ما بين 300 إلى 400 رخصة للصيد قابلة للزيادة، موضحا أن التقديرات بناء على الرخص الصادرة تصل إلى صيد 2000 من الغزلان و4000 من الأرانب فأكثر، ويمثل الخليجيون النسبة الأكبر بين السياح القادمين من مختلف العالم للسودان، فيما يمثل السعوديون النسبة الأكبر من بين السياح الخليجيين. وحول مواسم سياحة الصيد والحيوانات المسموح بصيدها والأوقات الممنوع فيها الصيد، أكد عطا المنان، أنه يمنع منعا باتا صيد الحيوانات على اختلافها في مواسم تكاثرها تحت أي ظرف من الظروف، وهي فترة الخريف غالبا، التي تبدأ من نهاية شهر مايو (أيار) وتمتد إلى نهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني).
وأوضح عطا المنان أنه يسمح بالصيد في الفترة الممتدة من شهر ديسمبر (كانون الأول) إلى نهاية شهر مايو (أيار) من كل عام، مفيدا أن الزواحف التي تُصطاد قليلة، فمثلا التمساح لا يصطاد إلاّ في بحيرة النوبة وفي بعض المناطق بجنوب السودان، غير أن الثعابين تعتبر زواحف سامة، ولا غبار على التخلص منها. وفيما يتعلق بالطيور والحيوانات الأخرى الموجودة داخل المحميات، ذكر عطا المنان أنه يمنع صيد أي منها في أي وقت من الأوقات، حتى إذا كان ذلك في غير أوقات تكاثرها، إلاّ إذا كان تكاثرها يؤدي إلى خلل في التوازن الإحيائي لتلك المناطق.
وأضاف أن هذا الدور متروك لتقدير مسؤولي إدارة الحياة البرية، وليس لهواة الصيد، حيث إن هذه الإدارة منوط بها تحديد وتنظيم الصيد كمًّا ونوعا، إضافة إلى تحديد أعداد الحيوانات التي يجب التخلص منها، حتى لا يختل التوازن البيئي في المحمية المعينة، فمثلا إذا تكاثرت القرود بشكل مزعج، ولا يُرَى جدوى منها، فعلى الإدارة أن تحدد طبيعة التعامل معها. وواصل عطا المنان قائلاً «إن الصيد مسموح به لأنواع معينة من الحيوانات، كالغزلان والقطا، وبعض الطيور ذات الجدوى لدى الصيادين، كالحبارى وغيرها، وذلك وفق ضوابط معينة، بحيث لا يصطاد الحيوان الصغير، كما لا تُصطاد الأنثى. والّذين يمارسون هواية الصيد يعرفون ذلك ويميزون الأنثى عن الذكر حتى من على البعد، ويكون الصيد لعدد محدود من حيوانات الصيد المختلفة، بحيث لا يزيد العدد عن خمسة حيوانات، إلاّ في حالة الأرانب التي يسمح بصيد عدد أكبر يصل إلى عشرة منها». وزاد أنه «لا يمارس الصيد إلاّ من حصل على رخصة للصيد، وتكون عادة لرحلة صيد واحدة، سواء كانت ليوم واحد، أو امتدت لأكثر من يوم. وتتحرك مجموعات هواة الصيد بصحبة مسؤولين من شرطة الحياة البرية أولا لحمايتهم، وثانيا لإحكام تنفيذ ضوابط الصيد المتفق عليها بدقة، تفاديا لتكرار عدد من الحالات التي جاء فيها بعض هواة الصيد من الخارج ومارسوا سياحة الصيد بشكل جائر أدى إلى تدمير بعض الحيوانات القابلة للصيد». ودلل وكيل وزارة السياحة على ذلك بأن بعضهم حصل على 40، وبعضهم حصل على 80، وآخرون حصلوا على 100 من وحدات الصيد المصابة، وحملوها على سيارات شحن مبردة (ثلاجات)؛ ما جعل الجهة المختصة تصدر قرارا بمنع ممارسة هواية الصيد لمدة ثلاث سنوات، حفاظا على حياة الحيوانات، وحماية لتكاثرها في مناطق الصيد.
وأكد كميخ العجمي، مستثمر كويتي في ترتيب رحلات الصيد في السودان في حديث خاص لـ «الشرق الأوسط» أن شركته (البوري سفاري) التي تعمل في السودان في مجال السياحة، بشراكة سودانية، دخلت سوق الاستثمار في السياحة في السودان برأس مال 3 ملايين دولار قابلة للزيادة، وفي طريقها للتوسع بشكل أكبر لجلب أكبر عدد من السياح الأجانب والعرب والخليجيين.
وأشار إلى أن السودان كله يصلح للسياحة وممارسة هواية القنص على مدار العام، كما أنه الأمتع سياحيا على مستوى العالم. من جانبه، أوضح الرشيد عثمان شريف، مدير شركة (البوري سفاري) لـ «الشرق الأوسط» أن الشركة انطلقت في عام 2002، ونفذت برامج تضمنت تنظيم رحلات للأجانب، وبالأخص للمسؤولين والأمراء والمواطنين من الخليجيين، وذلك لاتاحة فرصة الاستمتاع بممارسة هواية الصيد، بالإضافة إلى مشاهدة المناطق الأثرية والمحميات الطبيعية كمحمية (الدندر) العملاقة، وطافت بعدد كبير من السياح الخليجيين في مختلف ولايات السودان، كالنيل الأبيض وشمال كردفان وجنوب كردفان ونهر النيل والبحر الأحمر، بجانب الجزيرة والبطانة.
وأضاف أن وزارة الداخلية السودانية شريك في تأجير الأسلحة للسياح، موضحا أن بين الوزارة والشركة عقد يلزم الشركة بتوفير كافة الأسلحة والذخائر الخاصة بالصيد، والمتطابقة مع المعايير العالمية للصيد، وفق قوانين الصيد الدولية، ولا يسمح بتاتا لأي سائح أن يصطحب معه أسلحة أو معدات صيد وقنص من الخارج. وتحدث إلى «الشرق الأوسط» القنّاص السعودي تركي الرحماني، وهو من هواة الصيد في السودان، عن متعة ممارسة سياحة القنص والصيد، مشيراً إلى أنه منذ أن جاء إلى السودان طالباً في إحدى جامعاتها، لم يستطع أن يغالب رغبته الجامحة في ممارسة هذه الهواية.
واعتبر الرحماني حجم المتعة في ممارسة الصيد في السودان يفوق حد الوصف، وذلك لاتساع مساحتها، ولاحتوائها على مختلف عناصر المتعة، بما في ذلك كثرة حيوانات الصيد فيها، مع اتساع الرقعة التي تتواجد عليها، بجانب بيئتها التي يكسوها موسم الخريف حلة خضراء، ما جعل الخليجيين، وبالأخص السعوديين منهم، لا ينفكون يفدون إلى السودان لممارسة القنص والصيد بأعداد تتزايد يوما بعد يوم. وقال الرحماني إنه مارس صيد الغزلان، التي غالبا ما تجول في مراعيها الطبيعية في مجموعات في ولاية البحر الأحمر والمنطقة الشمالية وغرب أم درمان، بالإضافة إلى منطقة (الكحلة) جنوب غرب مدينة (كوستي)، التي وصفها بأنها أكثر المناطق سياحة لممارسة القنص من قبل السياح الخليجيين والأوروبيين. وبحسب رأيه، فإن القناص عادة يستمتع بأميز وأمتع الغزلان وأشهاها طعماً، لما اكتسبته من بيئتها الطبيعية، حيث تأكل عشبا طبيعيا مستساغا وخالياً من كل أنواع المعالجات، إذ إن المراعي التي تتغذى عليها طبيعية ولم تعالج بأسمدة ولم ترش بأدوية وقاية المحاصيل، ولذلك فإن صائد تلك الغزلان سيكتشف بعد ذبحها وسلخها أن جسمها مغطى بطبقة ناصعة البياض من شدة الشحوم والسمنة، وأن لحمها طري وشهي بشكل لا يقاوم. ولم يستطع الرحماني أن يخفي أنه مارس صيد الأرانب، التي توجد في كل مناطق السودان، وفي كل الأوقات، لوجود المزارع والمشاريع الممتدة على مساحات تساوي في أحجامها دولة خليجية، أو حتى أوروبية كاملة، بالإضافة إلى وجودها بكثافة في الصحراء الممتدة هي الأخرى على مد البصر شمال العاصمة السودانية الخرطوم بشكل جعله ينتظر نهاية الأسبوع بفارغ الصبر حتى يخرج للصيد. كما أنه مارس هواية قنص الطيور في كل من منطقة البطانة والجزيرة والكحلة، التي تشغل مساحة أكبر من مساحة دولة لبنان، ومنها الحبارى والرهو والقمري، السفري أو المهاجر، بالإضافة إلى الكروان والجرجارة (الحصّد)، وحتى دجاج الوادي (الحبشي). وأبدى سعادته بذلك إلى أبعد الحدود، مؤكدا أن من جرّب ممارسة الصيد والقنص في السودان، لا يستطيع مقاومتها لممارسة غيرها من الهوايات. وكان السودان سباقا في جهود المحافظة على الحياة البرية، حيث بدأت هذه الجهود منذ وجود الاستعمار البريطاني في السودان، إذ أنشئت في عام 1902م إدارة الحياة البرية، التي كانت تتبع السكرتير الإداري، الذي كان يمثل الحاكم العام للسودان آنذاك، ثم تطورت هذه الإدارة إلى أن تم إلحاقها بوزارة الشؤون الداخلية، باعتبارها واحدة من إدارات الشرطة المهمة والنشطة. وصدر أول قانون للحياة البرية في السودان عام 1975، وتم تطويره في عام 1986 ليواكب المستجدات، وليمثل الحماية والاستقلال الأمثل للحيوانات البرية، فيما هدفت إدارة الحياة البرية لتنمية البيئة وحمايتها وتوفير المعلومات للاستغلال الأمثل للحياة البرية، وتشجيع البحث العلمي، وتوعية المواطنين وإرشاد السياح وتنظيم عمليات الصيد عبر منح الرخص والتصاريح لممارسة الأنشطة المختلفة، وفقا للقانون. قام السودان بإدخال مناهج البيئة في عدد من مناهج التعليم الجامعي، واستقبل خبراء في مجال الحياة البرية من فرنسا والسعودية، كما استقبل مستثمرين في هذه المجالات من السعودية والإمارات العربية. وكان السودان في طليعة الدول التي وقعت على الاتفاقيات الدولية الهادفة إلى حماية الحياة البرية، ومنها الاتفاقية الدولية للاتجار في أنواع الحيوانات والنباتات البرية المهددة بالانقراض CITES، واتفاقية الحيوانات المهاجرة CMS، والطيور المهاجرة AEAWA، واتفاقية الأراضي الرطبة RAMSAR. ويتعاون السودان دوليا وإقليميا مع كل من المنظمة الأفريقية لحماية الحياة البرية، والهيئة الإقليمية للحفاظ على بيئة البحر الأحمر وخليج عدن PERSEGA، ومنظمة TRAFF. وللسودان اتفاقيات ثنائية مع كل من أثيوبيا، وكينيا، وتشاد، وأفريقيا الوسطى، وأوغندا، كما وضع السودان الخطة الوطنية للتنوع الإحيائي، بتمويل من المرفق العالمي للبيئة في منتصف 1998. والتزامًا من السودان بتطوير الحياة البرية، اهتمت حكوماته المتعاقبة بإنشاء المحميات الطبيعية، التي توفر المناخ الأفضل للحيوانات، كما توفر فرص السياحة والصيد المشروع. وتعد حظيرة الدندر من أكبر المحميات الطبيعية في السودان، حيث تبلغ مساحتها (3500) ميل، وتقع على بعد 560 كيلومترا جنوب شرق العاصمة الخرطوم، فيما توزعت العديد من المحميات في أنحاء البلاد حسب المناخات المختلفة، ومنها المناخ الصحراوي، ويضم محمية (وادي هور)، التي تقع في ثلاث ولايات، هي شمال دارفور، وشمال كردفان، والولاية الشمالية، كما يضم المناخ نفسه محمية (جبال الحسانية) الاتحادية بولاية نهر النيل على الضفة الغربية منه. وفي البحر الأحمر توجد محمية (سنقنيب) البحرية الاتحادية، التي تقع في الأراضي الإقليمية للسودان، وعلى بعد 25 كيلو مترا بحريا شمال شرق مدينة بورتسودان، كما توجد محمية (دونقاب) وجزيرة (مكوار) التي تقع على بعد 300 كلم شمال مدينة بورتسودان. وفي مناخ السافنا الفقيرة توجد محمية (الدندر) الاتحادية التي تقع على امتداد ثلاث ولايات هي سنار والقضارف والنيل الأزرق، كما تقع محمية (بوما) الاتحادية في ولاية شرق الاستوائية، فيما توجد محمية (مثلث تايا – باسندة – القلابات) الاتحادية في ولاية القضارف وتعتبر امتدادا لمحمية (الدندر) الاتحادية. وفي إقليم السافنا الغنية توجد محمية (الردوم) الاتحادية، وتقع في ولاية جنوب دارفور على الحدود الدولية مع إفريقيا الوسطى، بالإضافة إلى المحمية الجنوبية الاتحادية، وتقع متوسطة لولايات البحيرات وبحر الغزال والاستوائية. وفي الإقليم الاستوائي، توجد محمية (نمولي) الاتحادية، وتقع على الحدود السودانية مع أوغندا على بحر الجبل، فيما توجد محمية (بدنقلو) الاتحادية، وتقع في ولايتي بحر الحبل وجونقلي، بالإضافة إلى محمية (شامبي) الاتحادية في منطقة السدود بولاية البحيرات، وتنفرد بوجود طائر (أبو مركوب) المهدد بالانقراض. وبجانب كل هذه الجهود، وضعت إدارة الحياة البرية خططا طموحة لتطوير السياحة في هذا المجال عبر ترشيد السياح والصيد المشروع، حيث فتحت الباب للشركات السياحية للمنافسة الحرة في تفويج السياح، وحصرت رحلات الصيد على شركات دون الأفراد من السياح، إضافة إلى توفير كافة المعلومات للشركات والسياح حول مناطق الصيد ومواقع الحيوانات البرية وبيئاتها الطبيعية، مع استفادة المستثمرين في هذا المجال من كافة المزايا التي يتيحها قانون تشجيع الاستثمار في السودان، الصادر في عام 2001م. ولمزيد من تطوير الحياة البرية وزيادة الوعي بها، واستدامة الحياة البرية، وتشجيعا للمواطنين للمساهمة في زيادة أعداد الحيوانات مع تحقيق الأرباح من خلال المشروعات الاستثمارية في مجال تربية الحيوانات البرية، قامت الإدارة بمنح العديد من التصديقات للمواطنين، إضافة إلى العديد من المزايا المقدمة لهذا النوع من الاستثمارات، حيث الطبيعة التي تلائم هذا النشاط، في ظل وجود السوق المحلي والعالمي لمنتجاتها، مع قلة التكاليف، وتوافر الأعلاف في البلاد، وانخفاض أجور العمالة. كما أن الإدارة تعتبر إنتاج المزارع من المواليد ملكاً لصاحبها، وله حق التعامل فيها داخليا وخارجيا، وفقا للضوابط، مع عدم فرض رسوم إضافية، ويشترط لقيام المزرعة الحصول على التصديق بعد إعداد دراسة الجدوى الاقتصادية والفنية والحصول على الأرض المناسبة في البيئة التي تصلح للحيوان المراد تربيته والاستثمار فيه، ومن ثم الحصول على الحيوانات من البيئة بالأعداد المناسبة الواردة في الدراسة مع الحصول على شهادة المأوى للأنواع المطلوبة